فصل: الشاهد الثاني والخمسون بعد الثلاثمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.أخبار تركمان خاتون أم السلطان محمد بن تكش.

كانت تركمان خاتون أم السلطان محمد بن تكش من قبيلة بياروت من شعوب الترك يمك من الخطا وهي بنت خان حبكش من ملوكهم تزوجها السلطان خوارزم شاه تكش فولدت له السلطان محمدا فلما ملك لحق بها طوائف يمك ومن جاورهم من الترك واستظهرت بهم وتحكمت في الدولة فلم يملك السلطان معها أمره وكانت تولى في النواحي من جهتها كما يولي السلطان وتحكم بين الناس وتنحف من الظلامات وتقدم على الفتك والقتلى وتقيم معاهد الخير والصدقة في البلاد وكان لها سبعة من الموقعين يكتبون عنها وإذا عارض توقيعها لتوقيع السلطان عمل بالمتأخر منهما وكان لقبها خداوند جهان أي العالم وتوقيعها في الكتاب عصمة الدنيا والدين اولاغ تركمان ملك نساء العالمين وعلامتها اعتصمت بالله وحده تكتبها بقلم غليظ وتجود كتابتها أن ترور عليها واستورت للسلطان وزيره نظام الملك وكان مستخدما لها فلما عزل السلطان وزيره أشارت عليه بوزارة نظام الملك هذا فوزر له على كره من السلطان وتحكم في الدولة بتحكمها ثم تنكر له السلطان لامور بلغته عنه وعزله فاستمر على وزارتها وكان شأنه في الدولة أكبر وشكاه إليه بعض الولاة بنواحي خوارزم أنه صادره فأمر بعض خواصه بقتله فمنعه تركمان من ذلك وبقي على حاله وعجز السلطان عن انفاذ أمره فيه والله يؤيد بنصره من يشاء.

.التتر - خروج التتر وغلبهم على ما وراء النهر وفرار السلطان أمامهم من خراسان.

ولما عاد السلطان من العراق سنة خمس عشرة كما قدمناه واستقر بنيسابور وفدت عليه رسل جنكزخان بهدية من المعدنين ونوافج المسك وحجر البشم والثياب الطائية التي تنسج من وبر الابل البيض وبخبر أنه ملك الصين وما يليها من بلاد الترك ويسأل الموادعة والاذن للتجار من الجانبين في التردد في متاجرهم وكان في خطابه اطراء السلطان بأنه مثل أعز أولاده فاستنكف السلطان من ذلك واستدعى محمودا الخوارزمي من الرسل واصطنعه ليكون عينا له على جنكزخان واستخبره على ما قاله في كتابه الصين واستيلائه على مدينة طوغاج فصدق ذلك ونكر عليه الخطاب بالولد وسأله عن مقدار العساكر فغشه وقللها وصرفهم السلطان بما طلبوه من الموادعة والاذن للتجار فوصل بعض التجار من بلادهم إلى انزار وبها نيال خان ابن خال السلطان في عشرين ألفا من العساكر فشره إلى أموالهم وخاطب السلطان بأنهم عيون وليسوا بتجار فأمره بالاحتياط عليهم فقتلهم خفية وأخذ أموالهم وفشا الخبر إلى جنكزخان فبعث بالنكير إلى السلطان في نقض العهد وإن كان فعل نيال افتياتا فبعث إليه يتهدده على ذلك فقتل السلطان الرسل وبلغ الخبر إلى جنكزخان فسار في العساكر واعتزم السلطان أن يحصن سمرقند بالاسوار فجبي لذلك خراج سنتين وجبي ثالثة استخدم بها الفرسان وسار إلى أحياء جنكزخان فكبسهم وهو غائب عنها في محاربة كشلي خان فغنم ورجع واتبعهم ابن جنكزخان فكانت بينهم واقعة عظيمة هلك فيها كثير من الفريقين ولجأ خوارزم شاه إلى جيحون فأقام عليه بنتظر شأن التتر ثم عاجله جنكزخان فأجفل وتركها وفرق عساكره في مدن ما وراء النهر انزار وبخارى وسمرقند وترمذ وجند وأنزل آبنايخ من كبراء أمرائه وحجاب دولته في بخارى وجاء جنكزخان إلى انزار فحاصرها وملكها غلابا وأسر أميرها نيال خان الذي قتل التجار وأذاب الفضة في أذنيه وعينيه ثم حاصر بخارى وملكها على الامان وقاتلوا معه القلعة حتى ملكوها ثم غدر بهم وقتلهم وسلبهم وخربها ورحل جنكزخان إلى سمرقند ففعلوا فيها مثل ذلك سنة تسع عشرة وستمائة ثم كتب كتبا على لسان الأمراء قرابة أم السلطان يستدعون جنكزخان ويعدها بزيادة خراسان إلى خوارزم وبعث من يستخلفه على ذلك وبعث الكتب مع من يتعرض بها للسلطان فلما قرأها ارتاب بأمه وبقرابتها.

.اجفال السلطان خوارزم شاه إلى خراسان ثم إلى طبرستان ومهلكه.

ولما بلغ السلطان استيلاء جنكزخان على انزار وبخارى وسمرقند وجاءه نائب بخارى ناجيا في الفل أجفل حينئذ وعبر جيحون ورجع عنه طوائف الخطا الذين كانوا معه وعلاء الدين صاحب قيدر وتخاذل الناس وسرح جنكزخان العساكر في أثره نحوا من عشرين ألفا يسميهم التتر المغربة لسيرهم نحو غرب خراسان فتوغلوا في البلاد وانتهوا إلى بلاد بيجور واكتسحوا كل ما مروا عليه ووصل السلطان إلى نيسابور فلم يثبت بها ودخل إلى ناحية العراق بعد أن أودع أمواله قال المنشي في كتابه حدثني الامير تاج الدين البسطامي قال لما انتهى خوارزم شاه في مسيره إلى العراق استحضرني وبين يديه عشرة صناديق مملوأة لآلىء لا تعرف قيمتها وقال في اثنين منها فيهما من الجواهر ما يساوي خراج الأرض بأسرها وأمرني بحملها إلى قلعة اردهز من أحصن قلاع الارض وأخذت خط يد الموالي بوصولها ثم أخذها التتر بعد ذلك حين ملكوا العراق انتهى ولما ارتحل خوارزم شاه من نيسابور قصد مازندران والتتر في أثره ثم انتهى إلى أعمال همذان فكسبوه هناك ونجا إلى بلاد الجبل وقتل وزيره عماد الملك محمد بن نظام الملك وأقام هو بساحل البحر بقرية عند الفريضة يصلي ويقرأ ويعاهد الله على حسن السيرة ثم كبسه التتر أخرى فركب البحر وخاضوا في أثره فغلبهم الماء ورجعوا ووصلوا إلى جزيرة في بحر طبرستان فأقام بها وطرقه المرض فكان جماعة من أهل مازندان يمرضونه ويحمل إليه كثيرا من حاجته فيوقع لحاملها بالولايات والاقطاع وأمضى ابنه جلال الدين بعد ذلك جميعها ثم هلك سنة سبع عشرة وستمائة ودفن بتلك الجزيرة لاحدى وعشرين سنة من ملكه بعد أن عهد لابنه جلال الدين منكبرس وخلع ابنه الاصغر قطب الدين أولاغ شاه ولما بلغ خبر اجفاله إلى أمه تركمان خاتون بخوارزم خرجت هاربة بعد أن قتلت نحوا من عشرين من الملوك والاكابر المحبوسين هنالك ولحقت بقلعة ايلان من قلاع مازندان فلما رجع التتر المغربة عن السلطان خوارزم شاه بعد أن خاض بحر طبرستان إلى الجزيرة التي مات بها فقصدوا مازندان وملكوا قلاعها على ما فيها من الامتناع ولقد كان فتحها بأخر إلى سنة تسعين أيام سليمان بن عبد الملك فملكوها واحدة واحدة وحاصروا تركمان خاتون في قلعة ايلان إلى أن ملكوا القلعة صلحا وأسروها وقال ابن الاثير إنهم لقوها في طريقها إلى مازندان فأحاطوا بها وأسروها ومن كان معها من بنات السلطان وتزوجهن التتر وتزوج دوش خان بن جنكزخان باحداهن وبقيت تركمان خاتون أسيرة عندهن في خمول وذل وكانت تحضر سماط جنكزخان كاحداهن وتحمل قوتها منه وكان نظام الملك وزير السلطان مع أمه تركمان خاتون فحصل في قبضة جنكزخان وكان عندهم معظما لما بلغهم من تنكر السلطان له وكانوا يشاورونه في أمر الجباية فلما استولى دوش خان على خوارزم وجاء بحرم السلطان الذين كانوا بها وفيهن مغنيات فوهب احداهن لبعض خدمه فمنعت نفسها منه ولجأت للوزير نظام الملك فشكاه ذلك الخادم لجنكزخان ورماه بالجارية فأحضره جنكزخان وعدد عليه خيانة استاذه وقتله.